من ذوبيتات العناياتي النابلسي

قال المرادي في كتابه سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر:
" والدو بيت أول من اخترعه الفرس ونظموه بلغتهم ومعناه بيتان ويقال له الرباعي لأربعة مصاريعه وقد اشتهر باعجام داله وهو تصحيف وهو ثلاثة أقسام يكون بأربع قواف كالمواليات وأعرج بثلاث قواف ومردوفا بأربع أيضا وكله على وزن واحد وقد نظم فيه الشعراء قديما وحديثا، ومما يستجاد منه قول بعضهم:
عيني نظرت لنحو شاطي بردى * ظبيا نظم الحسن بفيه برَدا
يا من بصدوده رماني بردى * لو تسمح لي لهيب قلبي برَدا
وهذا الذي أشار إليه ببعضهم هو العناياتي النابلسي (932 - 1014 هـ )، واسمه أحمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الكريم ، النابلسي الأصل ، المكي المولد ، الدمشقي السكن والدار والوفاة ، ويكنى أبا العباس ، ويلقب شهاب الدين، ويعرف بالعناياتي ، وكان ينبز بابن المكيّة ، وذلك لأن أمه كانت مكية ، ولأنه ولد بمكة ، ومكث فيها مدة مكنته اكتساب لهجة أهل مكة، والاحتفاظ باللهجة المكية طوال عمره . وإنما قيل له العناياتي نظرا إلى والده ونسبه إليه ، وكان والده يكنى أبا العنايات ، كما جاء في مقدمة تحقيق ديوانه للدكتور مشهور الحبازي.
ومن ذوبيتاته كما اشتهرت بتسميتها:

الرباعي الخالص :
هجرانك قد أخرجني من بيتي * أبكي أسفا وأنشد الذوبيتي
كم لي فيمن أحبه من بيتي * لا أترك حبّه وربِّ البيتِ
*****
القلب وطرفُه عليلٌ وعليلْ * والليل وشعرُه طويل وطويلْ
والجسم وخصره نحيل ونحيل * والوصل وعطفه قليل وقليلْ
****
قد ذبت على هواك ذوب الشمعِ * أفديك بنور ناظري والسمعِ
والله وإنها يمين الشرعِ * حبي لك يا معذبي بالطبعِ

الرباعي المعرّج :
صبري عدمٌ في حبّ إسماعيلا * لا تحسبه في حبّ أسمى عيلا
كم قلت له بمن تسمّيتَ به * أنعم بنعم فزاد أسماعي لا
****
أصبحت عليك ذائب الجثمان * يا مالك مهجتي بلا أثمان
الروح غلت فكيف حتى رخصت * في الحب ولم تصل إلى عثمان
*****
أفدي رشأ لكل حسن جَمَعا * في العصر بمثل حسنه ما سُمِعا
ينبيك عن اسمه محيا حسنٌ * يبدي لك معنيين في اللفظ معا
****
المنزل جسم روحه نازلُهُ * لا يكمل إلا إن بدا كاملُهُ
كالقلب إذا أحببته حلّ به * يسمو بضياءِ وجهِهِ آهلُهُ

وأما بحر السلسلة فجاء منه بقصيدة بلغت أبياتها اثنين وعشرين بيتا، منها قوله:
يا مالك رقّي وحق حسنك إني * لم أرض لرقي لغير حسنك ملاكْ
إن وفّر سهمي من الهوى برقيبٍ * قد فاز من الحسن والجمال معلاكْ
أو أهلك من دون مطلبي فجدير * بالأنفُس في أنفَس المطالب أهلاكْ
ذرني فعيوني تود لو يجفوني * إن تلثم ممشاك أو تقبل نعلاكْ
يا بدر من القلب ما برحت ولكن * طرفي يمناك إنه يتملاكْ
وهذا البحر لا يختلف عن الذوبيتي كثيرا كما ترى.