المواضيع الأخيرة
بحـث
سحابة الكلمات الدلالية
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
مدير المنتدى | ||||
أسير القافية | ||||
ونشريس | ||||
محب العلماء | ||||
هويدا | ||||
حمداوي عبد الرحمان بن قاس | ||||
شوقي نذير | ||||
الأصيل | ||||
تحيا الجزائر | ||||
عبدالله بن حامو |
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 1 عُضو حالياً في هذا المنتدى :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 1 زائر :: 2 عناكب الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 53 بتاريخ الأحد 14 أبريل 2019, 17:47
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 1352 عُضو.آخر عُضو مُسجل هو روفي فمرحباً به.
أعضاؤنا قدموا 3419 مساهمة في هذا المنتدى في 1524 موضوع
صورة الأنا في مرآة الآخر
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
صورة الأنا في مرآة الآخر
الأدب الشعبي ومخاطر تمثيل الأنا فلكلوريا.
أ.د.حبيب مونسي
1-تقديم:
كثيرا ما ينظر الناس إلى الأدب الشعبي في كل أشكاله العروضية والاحتفالية، على أنه ضرب من الثقافة المحلية التي يجب على الدارسين الاهتمام بها، من أجل تكريس الهوية، وتحديد الانتماء، وتعميق الصلة بالذات التاريخية والتراثية، من خلال تواصل الأجيال، واستمرار الأشكال، والألوان، والأفكار، والأذواق… غير أن الأدب الشعبي يطرح بين يدي الآخر مادة في غاية الخطورة حين يجعل الذات في جميع أحوالها تتمظهر من خلال حركات، وألوان، وأصوات، وأفكار، قد لا تكون لها صلة بالواقع، أو أنها توغل بعيدا في أعماق التاريخ فلا يكاد الواحد من أبنائها التعرف عليها أو استبانة أصولها.
وعلى هذه الخلفية تتشكل الصورة التي يبنيها الآخر عن الذات، وعن مستواها الحضاري، وعن وعيها للحاضر ورؤيتها للمستقبل. وكل المخططات العالمية اليوم إنما تسعى إلى استثمار هذه المعطيات من أجل تحويل الآخر إلى مستهلك، وأنها لا تتوانى في استخدامها من أجل ابتزاز الآخر من خلال تراثه.
إن فكر العولمة واضح في مطامحه، واضح في أساليبه، فحين يسمي سلعة من أفخر سلعه بأسماء محلية يسلبها من ثقافات محلية، لا يفعل ذلك حبا في هذه الفئة من الناس، وشغفا بهذه الثقافة دون أخرى، وإنما يفعل ذلك لأنه حدد مجالا اقتصاديا يسوق فيه مادته، وسوقا يعرض فيها سلعته.. وما يصدق على التجارة يجري على السياحة وغيرها..
2-الأدب الشعبي: الفن والاستهلاك:
يأخذ الاهتمام بالأدب الشعبي اليوم طابعا استراتيجيا بما له من صلة وطيدة بالعقلية التي أنتجته، والذوق السائد الذي يؤطِّر الحساسية الاجتماعية التي يتحرك فيها. ومن ثم كان الأدب الشعبي بهذه الصفات مرجعا ثرا لمميزات العقلية المنتجة والمستهلكة في آن. إنه الأمر الذي يفسر قيام مؤسسات عالمية تهتم بالآداب الشعبية في أطراف المعمورة. وليس القصد من ورائها دراسة الأدب الشعبي لذاته، وإنما الغرض في الكشف عن آليات التفكير التي تحكم العقلية التي أبدعته، وصاغت صوره، وحددت معانيه. إذ التحكم في هذه الآليات من شأنه تسهيل المرور إلى حقيقة الشعب المنتج، ومن ثم التعرف على أذواقه وأهدافه ومراميه. ذلك هو منطق العولمة الذي يسعى إلى خلق قابلية الاستهلاك في الشعوب الأخرى ما دام يعتبرها مجرد أسواق وحسب.
فإذا كان البحث في الآداب الشعبية يقوم على ترسانة متينة من النظريات والفرضيات، ويتمتع بعدد لا يحصى من المخابر والمدارس والدوريات،فإنه في خبيئة الرؤية التي يتّشح بها قريب الشبه بالدراسات الاستشراقية،التي مهدت الطريق أمام الموجات الاستعمارية التي عرفها العالم العربي والإسلامي. لأن نظرية مثل النظرية الوظيفية التي تأسست على يد العالم الأنثروبولوجي "فرانز بواز"وتلميذته "روث بندكت" ترى في الفلكلور:« حلقة وصل بين المأثورات الشعبية والأنثروبولوجيا. وتقوم هذه النظرية على رصد وظيفة الفلكلور في المجتمع سواء أكانت تعليمية، أم دينية، أم اجتماعية، أم ثقافية، فالفلكلور في رأي "بواز" مرآة عاكسة لطبيعة المجتمع، أما في نظر "بندكت" فهو وسيلة لخرق عادات وتقاليد المجتمع.» ([1]) والمفارقة بين الأستاذ وتلميذته يقف عند اعتبار الفلكلور مرآة عاكسة لطبيعة المجتمع، تعرض على الناظر صورة الفطرة فيه، أو صورة الواقع الثقافي الذي يتمح منه أصالته ومعاصرته. ومن ثم يتكشّف المجتمع أمام عين الدارس في أدق خصوصياته الحميمية التي تفصح عن طرائق التفكير، وألوان الاستجابات،وأبعاد الرغبات. وهو عند التلميذة وسيلة خرق أو اختراق لعادات وتقاليد المجتمع.
إن تعبير "روث بنديكت" أصدق من تعبير "بواز" لأنه يكشف حقيقة الفعل البحثي القائم وراء تقصي آداب الشعوب النامية، وغيرها من القبائل الإفريقية التي لا تزال تحتفظ بكثير من سيمات البدائية والبداوة، وهي تتربع على نطاق واسع من الأراضي ذات الثروات الطبيعية، التي يحدجها الغرب بعين جشعة. إنه الأمر الذي دفع بعدد كبير من الدارسين المدعومين من هيئات ومراكز ذات سلطة وقرار في الغرب لإجراء مثل هذه الأبحاث والدراسات: « فكثير منهم (علماء الفلكلور) صار يوجه عنايته نحو البحث في عادات وطبائع المجتمعات في الدول النامية.» ([2]) وهو توجه لا يمكن اعتباره دوما في سبيل العلم والمعرفة، فتلك نظرة ساذجة اليوم نظرا لما يحاك في الخفاء لمثل هذه الدول النامية زعما.
إن منطق الحداثة الغربية ورافد العولمة فيها ينفيان هذا الزعم، ويؤكدان البعد التسلطي القائم وراء هيمنة السوق ومنطق الاستهلاك. فإذا كان الغزو الفكري في مطلع القرن الماضي يسعى دوما إلى اختراق المنظومات الفكرية للشعوب، وإحلال نظرته للحياة والوجود، فإن منطق العولمة يسعى هو الآخر إلى اختراق الذائقة والخصوصية الشعبية ليستعملها ضد أهلها أداة تستحثهم على التبعية والاستهلاك. إنها تحول الموروث الشعبي إلى مادة للسياحة، وتوقف عجلة الزمن في الشعوب لتظل في ألوانها، وأثوابها، ورقصاتها، وأهازيجها البدائية، مثار دهشة ومتعة للسائح القادم من حضارة التكنولوجيا المعقمة.. إنها تعطيه فرصة التفرج على آخر لا يزال في دائرة انصرف عنها الزمن،وتناساها التاريخ، وتحول عنها التطور. إنها دائرة الفرجة التي تتحدد بمواعيد ومواسم،وتتأطر بأفكار الفلكلور والدراسات الشعبية.
3-التراث الشعبي: عودة البدائي:
يهلل كثير من الدارسين العرب للتراث الشعبي، وينظرون إليه باعتباره عنوان هوية وانتماء. وأنه في ألوانه وأقواله خير دليل على الانتساب إلى الأرض والزمن. ويجعلون من دراسته ضربا من الأفعال الواجبة وجوب العين. وكأنهم يريدون أن يقاوموا صدامهم مع الأخر حضاريا بالعودة إلى هذه المخلفات الماضية لتُرفع شعارا في وجه عمليات تمييع الهويّات في آتون الأممية الجديدة والعولمة. وإذا سئلوا عن حقيقة ذلك كله، عادوا بالسائل إلى الغرب نفسه، وكأن الغرب لم يكن يوما إلا من خلال عودته إلى ذلك الماضي إحياء، وإلى ذلك التراث بعثا، وإلى تلك الألوان تميزا وعنوانا. ثم يبدؤون الدائرة من الإخوة "جريم" بألمانيا.
إن الحلقة المفقودة في هذه الدائرة العجيبة، تكمن في أن الالتفات إلى الموروث الشعبي لدى الغرب، والذي رافق الحركة الرومنسية في ألمانيا بالذات، لم يكن فعلا بريئا، خالصا لوجه البحث العلمي، والرغبة في استكتاب تراث الأجداد، وإنما كان الدافع وراءه تلك الرغبة التي حملها الرومنسيون للتنصل من أسر الكنيسة وطوقها، وإرادة التفلُّت من قبضة الدين كما قدمه القساوسة والرهبان. إن التراث الشعبي في رؤية هؤلاء كان البديل عن قصص الكتاب المقدس، وخطب الرهبان، ومواعظ الكنيسة.
لقد كان الارتداد إلى القصص الخرافية القديمة التي تتصل بحياة الجرمان والأنجلوسكسون،والفرنك،والسلاف،والفايكنغ.. وغيرهم من الشعوب الأوروبية القديمة، حركة تتملَّص من أسرين: أسر الهيمنة اليونانية والرومانية وما تحملانه من موروث ثقافي وثني فُرض عليها إبان الاحتلال والغزوات، وأسر القصص التوراتي الذي قدسته الكنيسة، والذي لا يُعبِّر بحال من الأحوال عن حقيقتها ومعتقداتها. فكانت الرِّدة إلى مثل هذه المرويات القديمة ضربا من التمرد على سلطة الكنيسة، وهيمنة ثقافتها التوراتية التلمودية.
إن أحسن تمثيل لسذاجة الدارس العربي في مسألة التراث الشعبي حين يتعرض للجانب الغربي، ويردد من غير تمحيص كلاما يحتمل ما ذكرناه ويشير إليه بقوة، ولكن الباحث العربي لا يجد فيه إلا القشرة التي ترضيه. وكأن المسألة من قبيل التطور الطبيعي الذي تعرفه الأشياء في تقادمها. فقد كتب "جبر يحي" يقول:«أما في القرن التاسع عشر فيظهر مؤثران قويان يدعمان التوجّه نحو تأسيس علم الفلكلور، والاعتراف به، وهما:
أ- الحركات القومية الأوروبية: إذ أصبح الاهتمام بالفلكلور يسير بخط موازٍ لحركات التحرر القومي، وبدأت الشعوب نفسها تحس بكياناتها القومية، وترى في تراثها الشعبي هويتها القومية.
ب- الحركة الرومانسية: التي ثارت على الظلم والاستبداد، وخرجت على كل ما هو كلاسيكي، فتحوّلت باهتماماتها من الآداب المدونة إلى الشفاهية، ومن المدينة إلى الريف، وتترجم اهتمامها بالشعب في محاولات جمع الأغاني الشعبية، وتقديس كل ما هو وطني.» ([3])
فلو كلف الباحث العربي نفسه وقفة التدبر في ما سماه بالمؤثرين لوجد أن إيجاد الفلكلور لم يكن أبدا لغاية علمية صريحة وإنما كان من أجل:
-التحرر القومي
-الإحساس بالكيان المستقل.
-إنشاء الهوية .
إنها محمولات المؤثر الأول، وهي محمولات حينما نعيدها للسياق التاريخي الذي ظهرت فيه، نجد فيها تلك الحركة التمردية على هيمنة قائمة متسلطة تسعى إلى إلغاء الانتماء القومي من أجل انتماء آخر غريب اللون واللغة، وتمييع الكيان الشعبي في خليط غير متجانس من القوميات تحت شعار أممي جديد. ومحو هوية لصالح تجنيس جديد مختلف. كل ذلك تقوده الكنيسة وتباركه.
إن الشعوب حينما تثور على هيمنة معينة، تحاول جاهدة استرداد ما سلب منها عنوة، تُلبس المسلوب ثوب القداسة، حتى وإن كان المسلوب بعضا من العادات البدائية التي ترفضها الفطرة. ولذلك السبب تلوّنت كثير من المظاهر المسيحية بأفعال وثنية أدخلتها الشعوب في صلبها محاولة منها استرداد شيء من هويتها القديمة.
أما المؤثر الثاني فقد كانت محمولاته على النحو التالي:
-الثورة على الظلم والاستبداد.
-الخروج عن كل ما هو كلاسيكي.
-الانفلات من المدون إلى الشفاهي.
-تقديس كل ما هو وطني.
إنها محمولات تصب في خانة واحدة اسمها التمرد على القائم. فإذا كان الترابط حيا بين التراث الشعبي والرومنسية، فلا يرد ذلك إلى أن الرومنسية شغوفة بالأغاني والطبيعة والحياة البسيطة، كما يحلو لكثير من الدارسين العرب ترديده في كتاباتهم وأحاديثهم. صحيح إننا نجد في الرومنسية مطلبا بدويا، وحضورا للطبيعة، وتفلُّتا من القيود، وحبا للحرية والمغامرة، وكثيرا من النبالة والأخلاق.. غير أننا ننسى أن ذلك يعود إلى النقيض الذي اختارته الحركة في وجه الواقع القائم. فإذا علمنا أن الإقطاعي والملك من بعده، كانا يمثلان "ظل الإله على الأرض" وأنهما يحكمان باسم السلطة الدينية، استنادا إلى قداستها. وأن كل ما يجري على يديهما إنّما تباركه الكنيسة وتقرُّ به، علمنا مطلب الثورة على الاستبداد، وأدركنا رغبة الخروج عن الكلاسيكي الذي أصبح "ملوثا" بالديني، وكيف تُسحب القداسة من الأيقونات إلى المظاهر الوطنية حتى وإن كانت غارقة في القدم، ذات صلة وثيقة بالوثنية.
ثم يكتب الباحث العربي على رأس هذا "التفريع العلمي" مقولة أخرى يرسلها إرسالا غير آبه بما فيها من "حقيقة" تهدم تصوره لبراءة الفلكلور باعتباره نشاطا يقوم به الآخر فينا ذاكرا أن: « الأدب الشعبي خير وسيلة تلقائية تعبّر بها الأمم عن ذاتها بكل حرية، وتجرد، ودون أي قيد. فالأدب الشعبي هو التعبير الفطري الصادق عن أحلام الأمة، وآمالها، وبؤسها، وشقائها، وهو ظلها الذي يصاحبها عبر الزمن، مهما اختلفت الأحوال والأماكن.»([4])
ربما كان لانتماء الباحث إلى فلسطين السليبة أثرٌ في مثل هذا الاعتقاد، غير أن ذلك لا يشفع للدارس الذي يريد أن يقدم حقائق عن نشاط معرفي كثير التلبُّس،تكتنفه نقاط من الظل تتكتم على كثير من مخبوءاته الفكرية والاستراتيجية. فالألفاظ التي يرسلها الباحث إرسالا مثل الحرية، والتجرد، ودون قيد.. ليس لها من معنى في إطار التعبير عن الذات إلا إذا كان المراد من ورائها تعبيرا يناقض الهيمنة والتسلط. فالأغاني والأهازيج والرقصات التي تؤدى في الأفراح والمواسم.. ليست هي التعبير الفطري الصادق عن أحلام الأمة، وبؤسها، وشقائها.. لأنها بكل بساطة حركات كانت تؤدى في طقوس محددة طواها الزمن، ومَحَتْها الثقافة الجديدة في الأمة، فلم يعد لها اليوم سوى ذلك الثوب الشكلي الفارغ من الدلالة. ومهما تفنَّن فيها أصحابها عرضا وإخراجا، فإنها لن تُعبر عن وعي الطبقة التي تنتمي إليها اليوم. بل إن الواحد منّا اليوم ليتفرج على بعض الحركات وينكرها، لأنه لا يجد فيها ما يربطه بها شكلا ولا معنى.
4-التراث الشعبي: المتاجرة بالماضي.
قد يبدو هذا الطرح غريبا لأول مرة، غير مستساغ، وقد يتساءل البعض عن جدوائية البحث في الأشعار، والأغاني، والأحاجي، والألغاز.. وغيرها، عما يمكن استنتاجه من الدراسات الاجتماعية، والنفسية، والتاريخية، مُؤطَّرا بالنظريات العلمية الحديثة. فهل نقول مثلما قال الباحث العربي:« ولهذا السبب كانت دراسة الأدب الشعبيّ بالغة الأهمية لمن يحاول دراسة نفسية شعب من الشعوب. ومثل هذه الدراسة، إن اتسمت بالعمق والجد، فإنها تساعد على إدراك الخصائص الأساسية لهذا الشعب، وتمكّن من رسم طريق واضح الأهداف لمستقبل أفضل.»([5]) فنوقع أنفسنا في غموض أساسي يتصل بالرؤية التي نحملها لهذا النشاط.؟
إن أخطر ما في الشهادة هو التركيز على دراسة "نفسية الشعوب"وكأن الهدف من الاهتمام بالفلكلور والأدب الشعبي يتخطى دوما مطلبه العلمي ليصب اهتمامه في خانة نظرة الآخر إلينا، وأن الأمر كله معقود على إنشاء صورة الأنا في مخيال الآخر. فإن قُدِّمت له "الأنا" في أثواب ملونة بزخارف الماضي، وحركاته، وطقوسه، فقد تقهقرت "الأنا" قرونا موغلة في القدم، وحُرمت من إنجازاتها عبر التاريخ. وطُمس تحولها من فكر إلى فكر ومن اعتقاد إلى اعتقاد. وقُدِّمت إلى عين الآخر سجينة في أثواب فلكلورية مزخرفة ليس من غاية وراءها إلا الفرجة والإمتاع.
ولنا بعد ذلك أن نسأل الباحث العربي عن " رسم طريق واضح الأهداف لمستقبل أفضل " لأن مثل هذه العبارة تتعارض كليا مع الصبغة السكونية التي يحملها الفلكلور في مظاهره الاحتفالية. ما دام كونه استعادة لطقس، وتكرير لحوادث تاريخية مرت بها الأمة. على الهيئة التي تصنعها "الشيعة" في "موسم كربلاء". فلا يجد فيها المشاهد الغريب إلا وقوفَها أمام عتبة زمنية لا تعرف كيف تتخطاها، زادها الجهل تعقيدا حينما صنع منها نسكا تعبديا غريبا.
إن المستقبَل ينتفي ضرورة أمام المظهر الفلكلوري، لأن الغاية الأساسية فيه كانت لدى الشعوب الغربية هي تخطي سلطة الكنيسة، والعودة إلى القومية، والانتماء الإقليمي. وقد لعب الفلكلور دوره التثبيتي السكوني الذي يشد الذات إلى ذلك البعد التاريخي العميق . وذلك هو دور الفلكلور، وتلك هي حقيقة إيجاده. أما أن يزعم الباحث العربي أنه يُمكِّن من رسم طريق للمستقبل، فذلك وهم ينمُّ عن سوء فهم لواقع القضية من أساسها.
5-كيفية استثمار الآداب الشعبية:
إن الأدب الشعبي، والفلكلور ظواهر لا يمكن للدارس إنكارها اليوم، فهي قائمة في الثقافة، حاضرة في مراكز البحث، تستأثر باهتمام كثير من الدارسين، وتمد ظلالها على تخوم معرفية تُظلِّل بها حقول العلوم الإنسانية كلها. إنه الأمر الذي حتَّم علينا إعادة التفكير فيها من جديد وفق الرؤية التي عرضناها من قبل، وأن نوجد لها في حاضرنا فهما وتطيقا يخرج بها من إطار الفرجة، والسكونية، والصورة النمطية عن الذات، إلى فضاء نعيد في تهذيب الذات وتحصينها أمام التدجين العولمي الذي يريد أن يخرجها في صور نمطية جديدة قابلة للاستهلاك.
حينما تحدث "فرنسيس فكوياما" في كتابه عن "نهاية التاريخ والرجل الأخير" كان القصد وراء هذه التسمية هو إيجاد رجل أخير تُكيِّفُه العولمة حسب مقتضياتها الجديدة فتسلبه حق الانتماء إلى جهة، أو ثقافة، أو لغة، أو دين.. إنما تريده رجلا مستهلكا، قابلا للتكييف، لا ينكر عليها تلوُّنَها من حال إلى حال. فقد كان ذلك التصريح الذي تبجَّحت به أمريكا في وقتها، مفتخرة بسقوط الحاجز الأخير أمام تأميمها للعالم، وبسط هيمنتها عليه.
ليس أمام الشعوب اليوم إلا إعادة النظر في ذواتها، وأن تستخلص من موروثاتها سيمات تمييزية تمكنها من صدِّ التدجين العولمي، ودفع التغريب والتمييع، شريطة أن لا يكون التراث سَجْنا في الماضي، وحَصْرا في مظهر لوني، أو حركي، أو قولي محدد..
إن التحدي الذي نطرحه أمام الآداب الشعبية اليوم، هو الخروج من الفرجة والصور النمطية، واستقبال الحاضر برؤى مستجدة متجددة، تتيح للذات تأكيد تميزها، غير مُنكِرة لفكرها الجديد، ولا مُستدبِرة لمعتقدها السليم. ساعتها سيكون في الفلكلور معنى التنوع في تشكيلة الأمة، والتعدد في تركيبتها البشرية، وألوان رايات مسيراتها نحو الغد.
إن الحصاد الذي تجنيه الدراسات من الآداب الشعبية أغنى من ذلك، نظرا للفطرية الموجودة في الأدب الشعبي. فهو بهذه السمة يلامس الحقيقة الأولى للشعب دون حاجز أيديولوجي يشوش عليها. فالأدب الشعبي في خلوه من الموقف الأيديولوجي والسياسي، يقدم المادة المعرفية في صفائها الأولي الذي يكشف عن حقيقة الذات التي أنتجته، وطبيعة الذات التي تستقبله. فهو بذلك في ابتعاده عن النظريات الفكرية يلتزم الفطرية التي تتصف بها عادة الطبقات الشعبية في مختلف أطوارها التاريخية. وحري بنا أن لا نجعل من ملتقيات الآداب الشعبية مهرجانات للفرجة فقط، وإنما ننحو بها إلى ضرب من التأصيل العلمي الذي يعيد ربط الذات بفطريتها الأولى، ويزيل عنها ما علق بها من ذوق وافد يشوش عليها قيمها الجمالية والفنية.
إن النظرة السريعة إلى الأغنية اليوم يكشف عن ذلك الخلط الرهيب الذي منيت به، والذي أضحى يؤثر سلبا في الأذواق، والأخلاق. فالأغاني التي كانت تربية للنفس، وتهذيبا للأخلاق، وتعليما لفنون العيش والحكمة، ورفعا لمستويات العاطفة إلى المثالية، أضحت اليوم بفعل الخلط الطارئ عليها، مدعاة إلى إثارة الأحاسيس الرخيصة، والحساسيات البغيضة، وبعث النزوات المتوحشة، وكشف النقاب عن الجوانب المظلمة من حياة الإنسان. إنها اليوم تعمل في الاتجاه المعاكس لما كانت تسعى إليه الأغنية البدوية. بل إن الدراسة المتفحصة للنصوص الجديدة اليوم يكشف عن المنزلق الخطير الذي تتجه إليه الذات الشعبية، ويرسم النهاية الكارثية التي ستنتهي إليها إن هي تمادت في غيها الحالي. والمطلوب إذا.. هو أن تقرأ هذه النصوص التي يكتبها الشباب قراءة تكشف عما يريدونه أولا، والمبادرة لإصلاح الفاسد، وتوجيه الكتبة إلى لون من النصوص التي تغترف من الموروث الشعبي لتطعيم النص الغنائي. وليس يفلح هذا الأمر إلا إذا قامت حركة نقدية تتولى نقد وتوجيه النص الغنائي على صفحات الجرائد والمجلات والكتب المتخصصة. فإذا أهملنا هذا الجانب، فإننا سنهمل كافة المشاريع التي تسعى التربية إلى إحقاقها في مستقبل الأيام. بل إننا سنهمل مشروع الإنسان المستقبلي الذي تعمل دوائر التربية على إخراجه للمجتمع.
[1]-إبراهيم حاج عبدي.الفلكلور والعلوم الإنسانية. المدى الثقافي. العدد 156. السبت 17 تموز 2004. دمشق.
[2]-نفس.
[3]-جبر يحيى. أبحاث ودراسات في الأدب الشعبيالفلسطيني. الدار الوطنيةللترجمة
والطباعة والنشر والتوزيع، قلقيلية ـ فلسطين،ط1، 2006.
[4]-نفس.
[5]-نفس.
جليس الحكماء- عضو مشارك
- عدد المساهمات : 28
نقاط : 4821
تاريخ التسجيل : 24/11/2011
العمر : 39
الموقع : تمنراست
رد: صورة الأنا في مرآة الآخر
بوركت ياحكيم مداخلة قيمة، وهادفة. جديرة بأن يطلع عليها طلبتنا الأعزاء.
*** دمت طيب ***
*** دمت طيب ***
أسير القافية- عضو ممتاز
- عدد المساهمات : 496
نقاط : 5707
تاريخ التسجيل : 19/01/2011
الموقع : وكن رجـــلاً إن أتــو بعـــــده ** يقــــولـــون مرّ وهــــذا الأثــــر
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأربعاء 20 ديسمبر 2023, 10:55 من طرف مدير المنتدى
» العدد الثالث من مجلة " آفاق علمية "
الأحد 01 أغسطس 2021, 10:21 من طرف Houcine22
» الشاعر منتميا وملتزما
الأحد 14 أكتوبر 2018, 20:12 من طرف مدير المنتدى
» العرب وكرة القدم
الإثنين 02 يوليو 2018, 20:10 من طرف مدير المنتدى
» الخامس من يوليو (جويلية) مجددا
الإثنين 02 يوليو 2018, 19:42 من طرف مدير المنتدى
» أهلا بشهر التوبة والغفران
الأربعاء 07 يونيو 2017, 11:21 من طرف أسير القافية
» لو عثرت بغلة في العراق ...
الجمعة 03 مارس 2017, 20:17 من طرف أسير القافية
» مسابقة الدخول إلى مدرسة الدكتوراه بتامنغست
الخميس 06 أكتوبر 2016, 16:21 من طرف أسير القافية
» وما بكم من نعمة فمن الله
الخميس 06 أكتوبر 2016, 15:58 من طرف أسير القافية