كتاب الحماسة.

من الكتب العديدة التي أثرت أدبنا العربي ،ارتأيت إن سمحتم لي بذلك أن أنشر بعضها راجيا من الله العلي القدير أن أفيد بها طلبةالأدب العربي، وخاصة الجدد منهم ، وأبدا بأول كتاب وهو "كتاب الحماسة ".
هو من كتب المقطوعات الشعرية ، وهو أول هذه الكتب وأشهرها ، جمعها الشاعر العباسي المعروف "أبو تمام حبيب بن أوس الطائي" المتوفى سنة232ه .واختارها من شعر شعراء الجاهلية و عصر الإسلام .ومع ذلك اختار جملة قليلة منها لشعراء محدثين مشهورين من أمثال "مسلم بن الوليد"و"أبي العتاهية"و"دعبل بن علي الخزاعي". ومعظم شعراء هذه الحماسة من المقلين المجيدينأو المغمورين الذين لا يعرفهم عامة الناس ، ولا نجد لهم شعرا ، إلا في هذه الحماسة سوى المحدثين من هؤلاء الشعراء، والسبب في ذلك أنه كان لفحول الشعراء الكبار دواوينهم المعروفة المتداولة في أيدي الناس . فقصد "أبو تمام" أن يختار للمقلين المجيدين من الشعراء ليطرف الناس بجديد لا يعرفونه.
و الأشعار المجموعة في هذه الحماسة من مقطوعات مختارة لا قصائد مطولة .والسبب في ذلك أن "أبي تمام "بنى اختياره على أغراض الشعر ، فكان يختار من القصيدة الأبيات التي تدور حول الغرض الأصلي منها.
وقد فرق "أبو تمام" أشعاره المختارة على أبواب حسب أغراض الشعر المعروفة عند العرب ، وجعلها في عشرة أبواب: الحماسة،المراثي،الأدب ، النسيب، الهجاء، الأضياف و المدح،الصفات ،السير،الملح،و مذمة النساء.
وأول هذه الأبواب ، وأكبرها هو باب الحماسة،فسمي الكتاب باسمه.وكلمة الحماسة هنا تعني :التغني بالفضائل و الخصال التي كان العرب يستحبونها في الرجل.و على رأسها الشجاعة في الحروب و الإقدام.
ولقد سبق "أبو تمامّ غيره في هذا النوع من التأليف ، أما هذه الأشعار التي اختارها فهي من عيون الشعر العربيالقديم في الجودة و النفاسة ، ولا نعجب من ذلك ، لأنها من انتقاء شاعر كبير بارع، يعرف أسرار الشعر ومكامن الجمال فيه ،فقد قيل عنه:"أن "أبا تمام " في حماسته أشعر منه في شعره".
أصابت الحماسة شهرة واسعة بين الناس من الأدباء و العلماء و قراء الشعر . وشرحها علماء، وأشهر شروحها :
1- شرح الحماسة لأبي علي المرزوقي المتوفى 421ه.
2- شرح الحماسة للتبريزي المتوفى 502ه.
و قد أعجب بالحماسة وبطريقة تنسيقها أجيال علماء الشعر الذين أتوا بعد ّأبي تمام" ، منهم "البحتري" في حماسته - طبعت الحماسة مع شرح " المرزوقي"في أربعة أجزاءسنة 1951-1953 في القاهرة.