المواضيع الأخيرة
بحـث
سحابة الكلمات الدلالية
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
مدير المنتدى | ||||
أسير القافية | ||||
ونشريس | ||||
محب العلماء | ||||
هويدا | ||||
حمداوي عبد الرحمان بن قاس | ||||
شوقي نذير | ||||
الأصيل | ||||
تحيا الجزائر | ||||
عبدالله بن حامو |
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 3 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 3 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 53 بتاريخ الأحد 14 أبريل 2019, 17:47
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 1352 عُضو.آخر عُضو مُسجل هو روفي فمرحباً به.
أعضاؤنا قدموا 3419 مساهمة في هذا المنتدى في 1524 موضوع
اللغة والإبداع
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
اللغة والإبداع
باسم الله الرحمان الرحيم
الدكتور محمد خرماش
أستاذ النقد الأدبي الحديث والمعاصر Email:mkharmach@hotmail.com
[فعل اللغة وأثرها في إبداع النص الأدبي]
(اشتغالات اللغة في إنتاج النصوص)
1 اللغة
اللغة هي القدرة على إنتاج الخطابات ، وهي مجموع الأنساق الدلالية التي ينتجها الناس ليتواصلوا فيما بينهم ؛فهي لذلك وبذالك تكتسب طبيعة اجتماعية قابلة للتحول والتطور. ومن هنا أيضا يمكن الحديث عن اللغة اللسان واللغة السنن، فاللغة اللسان هي القدرة على الكلام والتخاطب التي يختص بها الجنس البشري والتي تجعل من الإنسان حيوانا ناطقا، وبواسطتها يمكنه الإبداع في ممارساته اللغوية ؛أما اللغة السنن فهي "شفرة" مشتركة بين أفراد شعب أو مجموعة اجتماعية معينة، وتكون مجموع الصور اللفظية المختزنة في وعي الذوات المنتمية إلى نفس المجموعة ، فهي بمثابة استعداد لساني موروث أو رصيد لغوي مشاع ومشترك يكون موجودا بالقوة وينتظر التنفيذ، ولذلك يتم التمييز بين ذلك الرصيد وهو في حالة الكمون وبينه وهو في حالة الإنجاز والتوظيف، ففي الحالة الأولى يكون محملا بالمعارف والإمكانيات ،فهو آنئذ ظاهرة اجتماعية قابلة للتداول في أي وقت وتحت أي ظرف ومن أي طرف كان؛ أما في الحالة الثانية فهناك حضور فاعل للذات المستعمِلة التي تُفعِّل اللغة وتُحفّز ديناميكيتها ، فيكون المستعمِل بمثابة المدير المتصرف في ذلك الرصيد أي المستثمِر للغة في الإنتاج، وهنا يمكن أن يتحقق الإبداع اللغوي وتتأكد الصلة بين الظواهر اللسانية في عملية التلفظ ، وبين الأبعاد الفردية (النفسية مثلا) أو الاجتماعية في سيرورة الخطاب أو القول. ولتأكيد هذا المعنى في الحذق اللغوي يمكن التذكير مثلا بتشبيه "دو سوسير" اللغة برقعة الشطرنج المنصوبة التي يعرف الجميع قواعد اللعب بها، لكن تفعيل اللغة والإبداع في منجزاتها يشبه القدرات المتفاوتة للاعبين في استثمار ممكنات اللعبة وخلق المواقف غير المتوقعة وتحريك البيادق بذكاء فعّال دون مخالفة القواعد الأساسية؛ وهو ما يتم مثلا في الإبداع الأدبي الذي يحتاج إلى براعة وتفوق في استثمار ممكنات اللغة لإنتاج أثر جميل بتأثير متميز، ممّا يقتضي إلماما كافيا باللغة زائد القدرة الفائقة على خلق صيغ فذة ومواقف جديدة في التعبير؛ وقد كان مفهوم الإبداع في هذا الصدد محددا بالرجوع خاصة إلى بعض الإجراءات الأسلوبية والبلاغية الثابتة، فانتهى إلى تكريس بعض الأكليشيهات أو الوصفات الجاهزة في التعبير، وحجّم العبقرية اللغوية ،لكن الدراسات الحديثة أصبحت تسائل القضية من وجهة لسانية وفنية وأدبية ، فانفسح المجال لعمليات الخلق اللاّمحدودة.
ثم إن اللغة بهذا المفهوم تكون ذات طبيعة ديناميكية ومتطورة لأن القدرة على الترميز تنمو بالتداول فتتوسع اللغة بحكم الحاجة الى التعاون لمواجهة الطبيعة وتلبية ضروريات الحياة ، وطبيعي أن اللغات العريقة تنتج قدرا كبيرا من البنيات الدالة والمتداولة التي تستعمل في تشييد الخطابات المختلفة.
وبهذا التصور يمكن اعتبار اللغة العربية أيضا ذات رصيد زاخر بعضه متداول وبعضه اقل تداولا يجمع بين القديم والحديث وبين الخاص والمشترك ، كما أن حمولاتها الثقافية المتراكمة تكاد تجعل من استعمالاتها ومن استثمارها عملية تناص كبيرة ودائمة ، كما أن الجملة العربية من الطواعية والليونة بحيث تيسر كافة الإجراءات السلوبية والنحوية والبلاغية والدلالية وغيرها؛ ويمكن أن تّنمى أو تختزل دون أن تفقد شيئا من سلاستها، فهي من اللغات القليلة التي يمكن أن تكون الجملة فيها طويلة جدا أو قصيرة جدا دون أن يضر ذلك بقوة أدائها في شيء.يذكر مصطفى ناصف في كتابه:" اللغة بين البلاغة والأسلوبية" أن اللغة العربية منفتحة دائما على سائرالعلوم والأنشطة الفكرية...وأن سحرالألفاظ يخدم العقل الجماعي مثلما يخدم خطاب الفرد ونمو التفكير...وبما أن اللغة أداة ماكرة – كما يقول – فقد أصبحت المهارة اللغوية جزءاً أساسياً من حياة المجتمع الحديث، فوجب التمييز في التقويم اللغوي بين الكتابات الناجحة و المخلصة والخطيرة وما الى ذلك..(ص 64 وبعدها)
وعلى هذا يمكن النظر الى إبداعات الشعر العربي الحديث مثلا من هذه الوجهة السوسيو ثقافية التي تجعل المرجعيات التي يتأسس عليها كثيفة جدا وقوية جدا ومعبرة جدا.
ولنا مثال على ذلك في قصيدة "شنق زهران"لصلاح عبد الصبور التي تتراوح أبياتها بين الكلمة " دنشواي" والجملة(مات زهران وعيناه حياهْ فلماذا قريتي تخشى الحياهْ؟) وكلها مليئة بشحنات تعبيرية مكثفة تسجل إدانة موجعة في ضمير التاريخ والأجيال...
اللغة والأدب:
من المعلوم أن الأدب يُشغّل اللغة بجميع مقوماتها ليبني خطابه المتميز فيقوم بما يُعرف بعملية التنصيص ،أي باستيعاب المعطيات الخارجية عن طريق اللغة، وتحويلها إلى معطيات جديدة ذات أبعاد فنية وجمالية وتعبيرية ،و ذات مرجعية تكوينية محايثة ، وهو ما يعني أن إنتاجيته تدخل ضمن تعالق الشفرتين: شفرة اللغة وشفرة الأدب ، وإذا كنا قد لمسنا إشكالية فعل اللغة في إنتاج الخطاب،فإشكالية فعل اللغة في إنتاج الخطاب الأدبي تصبح مركبة ، وتحتاج إلى تعامل خاص ومعرفة نوعية ،وهو المبحث الشائق الشاق الذي شغل ويشغل اهتمام رواد الفكر الأدبي قديما وحديثا.
فاللغة بحكم طبيعتها وطريقة اشتغالها تجر الأدب إلى تمثل حمولاتها فيخترق الخطاب اللساني الخطاب الأدبي أولا ، ثم يُشغلها الأدب أو يوظفها بطريقته الخاصة ليصنع كيانه المتميز بواسطتها ويتبنين من خلالها فتصير إلى شيء جديد تتناسل فيه المرجعيات وربما تتدمر تباعا، ويصبح التواصل عن طريق المدركات الأولية ضربا من التهافت غير المجدي ، ومن ثم ضرورة الارتقاء إلى تتبع التسلسل المرجعي لتكوين قدر أو حد من الفهم لا تكون الإحالة فيه دائما أو بالضرورة إلى شيء حقيقي أو واقعي ،وتكون اللغة فيه متوسعة وديناميكية في إنتاج البنيات وتشييد الخطاب الذي تأخذ فيه الرسالة مكان الصدارة ، وقد لا يكون التأثير التواصلي فيها إلا منها وإليها، وتلك هي غلبة الوظيفة الشعرية في مثل هذه العمليات التلفظية والخطابية ؛ وهذا لا يعني أن الخطاب الأدبي مجرد انزياح فوضوي عن الخطاب العادي أو المباشر، وإنما هو تحقيق حقيقي لتلك الاستعدادات اللغوية المتأهبة؛ والنص الأدبي كما يقول "ريفاتير" نظام توفيقي متناه من العلامات(اللغوية) داخل النظام التوفيقي للغة (ككل)(1) ومن ذلك مثلا استثمار ممكنات أسلوبية وبلاغية وشعرية وسميائية لإحداث نوع من التوتر بين الوظيفة الإخبارية والوظيفة الإنشائية للكلام تسبب اضطرابا في الإدراك يعبر عنه البعض بخيبة التوقع ، ويمكن اعتباره بمثابة حصيلة للتناقض بين قوة الدفع المتعالي لعبقرية اللغة التي يستثمرها الأدب وبين قوة الجذب المتنازل للإصرار النفعي المباشر الذي يحرص عليه الخطاب العادي، ومن ثم اختلاف مستويات الإنتاج ونوعيته كذلك.
والحاصل أن الإنسان يتحايل على أداة نطقه وتعبيره ليفجر طاقاتها الكامنة فتستجيب لإبراز حاجاته الانفعالية والفكرية غير المتناهية، وتلك ميزتها الرائعة في تحقيق التواصل الأدبي وفي تخليد ملحمته الدائبة الدائمة...
النص والنص الأدبي:
يعتبر نصا كل كلام متثبت أو يمكن تثبيته بالكتابة؛ فهو نسيج من الكلمات المُرتَّبة ترتيبا يهيئ معنى، وبما أنه يَتَبَنْيَنُ من خلال مجموعة من العلامات، فهو مثلها دال لا ينفك عن مدلوله، ومن ثم فهو ممارسة دلالية أو تدليلية، بمعنى أنه يقيم معنى ويؤسس مرجعية، أي يحيل على العالم الخارجي بما فيه من أشياء وأشخاص ووضعيات وما إلى ذلك. ونحن نتحدث عن المكتوب الذي يتم التعامل معه بما هو عليه فقط، لأن الشفوي قد تتحقق إرساليته بالأخذ والعطاء، ويساهم المتكلم في ذلك بمزيد من التحديد والتوضيح، أما المكتوب، فالعبء في فك شفرته وفهم إرساليته أي في تحقيق مرجعيته يقع كله على المستقبِل أي على القارئ، ومن ثم يتوجب تسجيل أمرين اثنين:
1 – يحتاج النص المكتوب إلى قارئ ومن ثم تنطرح مسألة القراءة بجميع أبعادها.
2 – تدخل في الاعتبار صياغة المقروء كذلك ونوعية المكتوب، وما هي الوظيفة التي هو مرصود لتأديتها، وهل كُتب بالكيفية التي تلائمها، وما هي الكيفية التي تلائم كل وظيفة من وظائف المكتوب ؟
ومن جملة الذين تدين لهم الدراسات النصية المعاصرة بمفاهيم متقدمة عن النص وإشكالاته ينبغي ذكر ما قامت به جوليا كريستيفا وبنفنيست ورولان بارت وغيرهم .
هذا وقد يكون الأمربسيطا أو قليل التعقيد في المجالات التي تستهدف توصيل المعلومات بأقرب السبل باستعمال كلام خطي مباشر يسهل إدراك مرجعياته، بمعنى أن القارئ أو حتى السامع يستطيع فوراً أن يقيم في ذهنه تصورا واضحا لما يحيل عليه، فتتحقق الإرسالية أي يتم الإبلاغ والتواصل ويُستهلك النص المستعمَل فيُنسى ويَفنى. وهذا يعني أن إشكالية النص مرتبطة بإشكالية الخطاب أي بما يتهيأ من وضعيات لسانية تساعد على تحقيق القصد المبيَّت الذي يراد تسريبه من خلال البنيات المنشأة.
ـ النص الأدبي:
أما بالنسبة للنص الأدبي فالأمر مختلف كل الاختلاف، إذ يجوز له وربما ينبغي له أن يتصرف في اللغة تصرفا قد لا يجوز لغيره، فيستحدث من التركيبات والتلوينات التعبيرية ما يشغل به المتلقي عما قبله وعما بعده، إذ غالبا ما يتهيأ بكيفية ترميزية تجعل منه نصا منغلقا يحتاج إلى جهد ومعرفة ومهارة في التعامل معه؛ فهو لا ينضبط كسائر النصوص لقانون( statut ) التكوينات اللغوية، لكنه يقع مثلها أو أكثر منها في صميم إشكالية التعبير، بمعنى أن النموذج الأدبي هو نموذج لغوي أو لساني بالدرجة الأولى لكنه من التكثيف والتشويش بحيث يخرق منطق المعيارية السيمانطيقية فيشغل القارئ بذاته قبل أن يشغله برسالته. ومن المعلوم أن المنتظر من كل نص أن يقيم في الذهن تصورا واضحا لجامع الدال والمدلول على مستوى الإدراك وهو ما يسمى بالفهم أو إقامة المعنى، ولن يتأتى ذلك إلا بتحديد مرجعية خاصة أي بمعرفة حقيقة الأشياء أو الأمور المتحدَّث عنها، أي حقيقة ما وراء الكلام، وهي حقيقة قد تظل معلقة في النص الأدبي رغم إصرار علماء اللسان وعلماء الخطاب على أن القيمة المرجعية قيمة حاسمة في بناء النصوص قد تَبْهُتُ وقد تختفي لكنهالا تضمحل ولا يمكن الاستغناء عنها أبداً. وليس من شأن النص الأدبي أن يقدم مرجعياته على طبق من فضة، لكنه يقدم ما يساعد على اكتشافها أو الوصول إلى تحقيقها، ولذلك تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى مسائل كثيرة منها مسألة المعنى والمرجع ومسألة المعنى والسياق ( التوسعات الاصطلاحية ) ( التربية اللسانية A dam Schaff ) ومسألة قوانين إنتاج الخطاب ( تجاوز القدرات اللسانية والإجراءات السياقية إلى معرفة النظام السيميوطيقي الذي يحرك عملية التدليل Signifiance ) ومسألة التنصيص أو الأسلبة ( إقحام ما هو خارج ضمن ما هو داخل وبناء مرجعيات خاصة ) ومسألة التناص ( تدمير المرجعيات الأصل أو تعويمها ) ومسألة اللغة والفكر واللغة والواقع ( الواقع الفكري أو الواقع اللغوي ــ الكلام لا يحيل إلا على الكلام ) ( الواقعية النصية أو الواقعية الرمزية P h. Hamon ) وما إلى ذلك..
وبالنظرالى الإجراءات البنائية التي يمكن أن تنقل اللغة من حيادها البريء الى ما يؤسس هذا الخطاب المتميز ويفتح الباب لتفجير عبقريتها، تجدر الإشارة الى عملية الانزياح التي تتم على مستويات مختلفة (لسانية:تصريح/تلميح _ أسلوبية: تقديم/ تأخير _ بلاغية: صورة/ رمز _ شعرية : اختيار/ توزيع _ سميولوجية: دلالات السياق العام(المقام) _ نقد أدبي: مكونات الخطاب ..الخ) فتسبب اضطرابا في الإدراك يعبر عنه البعض بخيبة التوقع.
ويمكن القول بأن هذه الانزياحات (أو التحولات) تمثل حصيلة التناقض أو التفاعل المستمر بين قوة الدفع المتعالي لعبقرية اللغة الخلاقة الإبداعية وبين قوة الجذب المتنازل للإصرار النفعي المباشر؛ وهذه الاستحقاقات الانزياحية الدائبة هي المخرج الايجابي الذي يملكه الانسان للتحايل على اللغة واستثمار فعالياتها الدافقة من أجل إبراز حاجاته الانفعالية والفكرية اللامتناهية، وتلك ملحمة النصوص الأدبية والأدباء منذ الأزل والى أن يرث الله الأرض ومن عليها. د.محمد خرماش
الهوامش:
1- M.Riffaterre; Essais de stylistique structurale,Flammarion,
Paris 1971 P 264
الدكتور محمد خرماش
أستاذ النقد الأدبي الحديث والمعاصر Email:mkharmach@hotmail.com
[فعل اللغة وأثرها في إبداع النص الأدبي]
(اشتغالات اللغة في إنتاج النصوص)
1 اللغة
اللغة هي القدرة على إنتاج الخطابات ، وهي مجموع الأنساق الدلالية التي ينتجها الناس ليتواصلوا فيما بينهم ؛فهي لذلك وبذالك تكتسب طبيعة اجتماعية قابلة للتحول والتطور. ومن هنا أيضا يمكن الحديث عن اللغة اللسان واللغة السنن، فاللغة اللسان هي القدرة على الكلام والتخاطب التي يختص بها الجنس البشري والتي تجعل من الإنسان حيوانا ناطقا، وبواسطتها يمكنه الإبداع في ممارساته اللغوية ؛أما اللغة السنن فهي "شفرة" مشتركة بين أفراد شعب أو مجموعة اجتماعية معينة، وتكون مجموع الصور اللفظية المختزنة في وعي الذوات المنتمية إلى نفس المجموعة ، فهي بمثابة استعداد لساني موروث أو رصيد لغوي مشاع ومشترك يكون موجودا بالقوة وينتظر التنفيذ، ولذلك يتم التمييز بين ذلك الرصيد وهو في حالة الكمون وبينه وهو في حالة الإنجاز والتوظيف، ففي الحالة الأولى يكون محملا بالمعارف والإمكانيات ،فهو آنئذ ظاهرة اجتماعية قابلة للتداول في أي وقت وتحت أي ظرف ومن أي طرف كان؛ أما في الحالة الثانية فهناك حضور فاعل للذات المستعمِلة التي تُفعِّل اللغة وتُحفّز ديناميكيتها ، فيكون المستعمِل بمثابة المدير المتصرف في ذلك الرصيد أي المستثمِر للغة في الإنتاج، وهنا يمكن أن يتحقق الإبداع اللغوي وتتأكد الصلة بين الظواهر اللسانية في عملية التلفظ ، وبين الأبعاد الفردية (النفسية مثلا) أو الاجتماعية في سيرورة الخطاب أو القول. ولتأكيد هذا المعنى في الحذق اللغوي يمكن التذكير مثلا بتشبيه "دو سوسير" اللغة برقعة الشطرنج المنصوبة التي يعرف الجميع قواعد اللعب بها، لكن تفعيل اللغة والإبداع في منجزاتها يشبه القدرات المتفاوتة للاعبين في استثمار ممكنات اللعبة وخلق المواقف غير المتوقعة وتحريك البيادق بذكاء فعّال دون مخالفة القواعد الأساسية؛ وهو ما يتم مثلا في الإبداع الأدبي الذي يحتاج إلى براعة وتفوق في استثمار ممكنات اللغة لإنتاج أثر جميل بتأثير متميز، ممّا يقتضي إلماما كافيا باللغة زائد القدرة الفائقة على خلق صيغ فذة ومواقف جديدة في التعبير؛ وقد كان مفهوم الإبداع في هذا الصدد محددا بالرجوع خاصة إلى بعض الإجراءات الأسلوبية والبلاغية الثابتة، فانتهى إلى تكريس بعض الأكليشيهات أو الوصفات الجاهزة في التعبير، وحجّم العبقرية اللغوية ،لكن الدراسات الحديثة أصبحت تسائل القضية من وجهة لسانية وفنية وأدبية ، فانفسح المجال لعمليات الخلق اللاّمحدودة.
ثم إن اللغة بهذا المفهوم تكون ذات طبيعة ديناميكية ومتطورة لأن القدرة على الترميز تنمو بالتداول فتتوسع اللغة بحكم الحاجة الى التعاون لمواجهة الطبيعة وتلبية ضروريات الحياة ، وطبيعي أن اللغات العريقة تنتج قدرا كبيرا من البنيات الدالة والمتداولة التي تستعمل في تشييد الخطابات المختلفة.
وبهذا التصور يمكن اعتبار اللغة العربية أيضا ذات رصيد زاخر بعضه متداول وبعضه اقل تداولا يجمع بين القديم والحديث وبين الخاص والمشترك ، كما أن حمولاتها الثقافية المتراكمة تكاد تجعل من استعمالاتها ومن استثمارها عملية تناص كبيرة ودائمة ، كما أن الجملة العربية من الطواعية والليونة بحيث تيسر كافة الإجراءات السلوبية والنحوية والبلاغية والدلالية وغيرها؛ ويمكن أن تّنمى أو تختزل دون أن تفقد شيئا من سلاستها، فهي من اللغات القليلة التي يمكن أن تكون الجملة فيها طويلة جدا أو قصيرة جدا دون أن يضر ذلك بقوة أدائها في شيء.يذكر مصطفى ناصف في كتابه:" اللغة بين البلاغة والأسلوبية" أن اللغة العربية منفتحة دائما على سائرالعلوم والأنشطة الفكرية...وأن سحرالألفاظ يخدم العقل الجماعي مثلما يخدم خطاب الفرد ونمو التفكير...وبما أن اللغة أداة ماكرة – كما يقول – فقد أصبحت المهارة اللغوية جزءاً أساسياً من حياة المجتمع الحديث، فوجب التمييز في التقويم اللغوي بين الكتابات الناجحة و المخلصة والخطيرة وما الى ذلك..(ص 64 وبعدها)
وعلى هذا يمكن النظر الى إبداعات الشعر العربي الحديث مثلا من هذه الوجهة السوسيو ثقافية التي تجعل المرجعيات التي يتأسس عليها كثيفة جدا وقوية جدا ومعبرة جدا.
ولنا مثال على ذلك في قصيدة "شنق زهران"لصلاح عبد الصبور التي تتراوح أبياتها بين الكلمة " دنشواي" والجملة(مات زهران وعيناه حياهْ فلماذا قريتي تخشى الحياهْ؟) وكلها مليئة بشحنات تعبيرية مكثفة تسجل إدانة موجعة في ضمير التاريخ والأجيال...
اللغة والأدب:
من المعلوم أن الأدب يُشغّل اللغة بجميع مقوماتها ليبني خطابه المتميز فيقوم بما يُعرف بعملية التنصيص ،أي باستيعاب المعطيات الخارجية عن طريق اللغة، وتحويلها إلى معطيات جديدة ذات أبعاد فنية وجمالية وتعبيرية ،و ذات مرجعية تكوينية محايثة ، وهو ما يعني أن إنتاجيته تدخل ضمن تعالق الشفرتين: شفرة اللغة وشفرة الأدب ، وإذا كنا قد لمسنا إشكالية فعل اللغة في إنتاج الخطاب،فإشكالية فعل اللغة في إنتاج الخطاب الأدبي تصبح مركبة ، وتحتاج إلى تعامل خاص ومعرفة نوعية ،وهو المبحث الشائق الشاق الذي شغل ويشغل اهتمام رواد الفكر الأدبي قديما وحديثا.
فاللغة بحكم طبيعتها وطريقة اشتغالها تجر الأدب إلى تمثل حمولاتها فيخترق الخطاب اللساني الخطاب الأدبي أولا ، ثم يُشغلها الأدب أو يوظفها بطريقته الخاصة ليصنع كيانه المتميز بواسطتها ويتبنين من خلالها فتصير إلى شيء جديد تتناسل فيه المرجعيات وربما تتدمر تباعا، ويصبح التواصل عن طريق المدركات الأولية ضربا من التهافت غير المجدي ، ومن ثم ضرورة الارتقاء إلى تتبع التسلسل المرجعي لتكوين قدر أو حد من الفهم لا تكون الإحالة فيه دائما أو بالضرورة إلى شيء حقيقي أو واقعي ،وتكون اللغة فيه متوسعة وديناميكية في إنتاج البنيات وتشييد الخطاب الذي تأخذ فيه الرسالة مكان الصدارة ، وقد لا يكون التأثير التواصلي فيها إلا منها وإليها، وتلك هي غلبة الوظيفة الشعرية في مثل هذه العمليات التلفظية والخطابية ؛ وهذا لا يعني أن الخطاب الأدبي مجرد انزياح فوضوي عن الخطاب العادي أو المباشر، وإنما هو تحقيق حقيقي لتلك الاستعدادات اللغوية المتأهبة؛ والنص الأدبي كما يقول "ريفاتير" نظام توفيقي متناه من العلامات(اللغوية) داخل النظام التوفيقي للغة (ككل)(1) ومن ذلك مثلا استثمار ممكنات أسلوبية وبلاغية وشعرية وسميائية لإحداث نوع من التوتر بين الوظيفة الإخبارية والوظيفة الإنشائية للكلام تسبب اضطرابا في الإدراك يعبر عنه البعض بخيبة التوقع ، ويمكن اعتباره بمثابة حصيلة للتناقض بين قوة الدفع المتعالي لعبقرية اللغة التي يستثمرها الأدب وبين قوة الجذب المتنازل للإصرار النفعي المباشر الذي يحرص عليه الخطاب العادي، ومن ثم اختلاف مستويات الإنتاج ونوعيته كذلك.
والحاصل أن الإنسان يتحايل على أداة نطقه وتعبيره ليفجر طاقاتها الكامنة فتستجيب لإبراز حاجاته الانفعالية والفكرية غير المتناهية، وتلك ميزتها الرائعة في تحقيق التواصل الأدبي وفي تخليد ملحمته الدائبة الدائمة...
النص والنص الأدبي:
يعتبر نصا كل كلام متثبت أو يمكن تثبيته بالكتابة؛ فهو نسيج من الكلمات المُرتَّبة ترتيبا يهيئ معنى، وبما أنه يَتَبَنْيَنُ من خلال مجموعة من العلامات، فهو مثلها دال لا ينفك عن مدلوله، ومن ثم فهو ممارسة دلالية أو تدليلية، بمعنى أنه يقيم معنى ويؤسس مرجعية، أي يحيل على العالم الخارجي بما فيه من أشياء وأشخاص ووضعيات وما إلى ذلك. ونحن نتحدث عن المكتوب الذي يتم التعامل معه بما هو عليه فقط، لأن الشفوي قد تتحقق إرساليته بالأخذ والعطاء، ويساهم المتكلم في ذلك بمزيد من التحديد والتوضيح، أما المكتوب، فالعبء في فك شفرته وفهم إرساليته أي في تحقيق مرجعيته يقع كله على المستقبِل أي على القارئ، ومن ثم يتوجب تسجيل أمرين اثنين:
1 – يحتاج النص المكتوب إلى قارئ ومن ثم تنطرح مسألة القراءة بجميع أبعادها.
2 – تدخل في الاعتبار صياغة المقروء كذلك ونوعية المكتوب، وما هي الوظيفة التي هو مرصود لتأديتها، وهل كُتب بالكيفية التي تلائمها، وما هي الكيفية التي تلائم كل وظيفة من وظائف المكتوب ؟
ومن جملة الذين تدين لهم الدراسات النصية المعاصرة بمفاهيم متقدمة عن النص وإشكالاته ينبغي ذكر ما قامت به جوليا كريستيفا وبنفنيست ورولان بارت وغيرهم .
هذا وقد يكون الأمربسيطا أو قليل التعقيد في المجالات التي تستهدف توصيل المعلومات بأقرب السبل باستعمال كلام خطي مباشر يسهل إدراك مرجعياته، بمعنى أن القارئ أو حتى السامع يستطيع فوراً أن يقيم في ذهنه تصورا واضحا لما يحيل عليه، فتتحقق الإرسالية أي يتم الإبلاغ والتواصل ويُستهلك النص المستعمَل فيُنسى ويَفنى. وهذا يعني أن إشكالية النص مرتبطة بإشكالية الخطاب أي بما يتهيأ من وضعيات لسانية تساعد على تحقيق القصد المبيَّت الذي يراد تسريبه من خلال البنيات المنشأة.
ـ النص الأدبي:
أما بالنسبة للنص الأدبي فالأمر مختلف كل الاختلاف، إذ يجوز له وربما ينبغي له أن يتصرف في اللغة تصرفا قد لا يجوز لغيره، فيستحدث من التركيبات والتلوينات التعبيرية ما يشغل به المتلقي عما قبله وعما بعده، إذ غالبا ما يتهيأ بكيفية ترميزية تجعل منه نصا منغلقا يحتاج إلى جهد ومعرفة ومهارة في التعامل معه؛ فهو لا ينضبط كسائر النصوص لقانون( statut ) التكوينات اللغوية، لكنه يقع مثلها أو أكثر منها في صميم إشكالية التعبير، بمعنى أن النموذج الأدبي هو نموذج لغوي أو لساني بالدرجة الأولى لكنه من التكثيف والتشويش بحيث يخرق منطق المعيارية السيمانطيقية فيشغل القارئ بذاته قبل أن يشغله برسالته. ومن المعلوم أن المنتظر من كل نص أن يقيم في الذهن تصورا واضحا لجامع الدال والمدلول على مستوى الإدراك وهو ما يسمى بالفهم أو إقامة المعنى، ولن يتأتى ذلك إلا بتحديد مرجعية خاصة أي بمعرفة حقيقة الأشياء أو الأمور المتحدَّث عنها، أي حقيقة ما وراء الكلام، وهي حقيقة قد تظل معلقة في النص الأدبي رغم إصرار علماء اللسان وعلماء الخطاب على أن القيمة المرجعية قيمة حاسمة في بناء النصوص قد تَبْهُتُ وقد تختفي لكنهالا تضمحل ولا يمكن الاستغناء عنها أبداً. وليس من شأن النص الأدبي أن يقدم مرجعياته على طبق من فضة، لكنه يقدم ما يساعد على اكتشافها أو الوصول إلى تحقيقها، ولذلك تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى مسائل كثيرة منها مسألة المعنى والمرجع ومسألة المعنى والسياق ( التوسعات الاصطلاحية ) ( التربية اللسانية A dam Schaff ) ومسألة قوانين إنتاج الخطاب ( تجاوز القدرات اللسانية والإجراءات السياقية إلى معرفة النظام السيميوطيقي الذي يحرك عملية التدليل Signifiance ) ومسألة التنصيص أو الأسلبة ( إقحام ما هو خارج ضمن ما هو داخل وبناء مرجعيات خاصة ) ومسألة التناص ( تدمير المرجعيات الأصل أو تعويمها ) ومسألة اللغة والفكر واللغة والواقع ( الواقع الفكري أو الواقع اللغوي ــ الكلام لا يحيل إلا على الكلام ) ( الواقعية النصية أو الواقعية الرمزية P h. Hamon ) وما إلى ذلك..
وبالنظرالى الإجراءات البنائية التي يمكن أن تنقل اللغة من حيادها البريء الى ما يؤسس هذا الخطاب المتميز ويفتح الباب لتفجير عبقريتها، تجدر الإشارة الى عملية الانزياح التي تتم على مستويات مختلفة (لسانية:تصريح/تلميح _ أسلوبية: تقديم/ تأخير _ بلاغية: صورة/ رمز _ شعرية : اختيار/ توزيع _ سميولوجية: دلالات السياق العام(المقام) _ نقد أدبي: مكونات الخطاب ..الخ) فتسبب اضطرابا في الإدراك يعبر عنه البعض بخيبة التوقع.
ويمكن القول بأن هذه الانزياحات (أو التحولات) تمثل حصيلة التناقض أو التفاعل المستمر بين قوة الدفع المتعالي لعبقرية اللغة الخلاقة الإبداعية وبين قوة الجذب المتنازل للإصرار النفعي المباشر؛ وهذه الاستحقاقات الانزياحية الدائبة هي المخرج الايجابي الذي يملكه الانسان للتحايل على اللغة واستثمار فعالياتها الدافقة من أجل إبراز حاجاته الانفعالية والفكرية اللامتناهية، وتلك ملحمة النصوص الأدبية والأدباء منذ الأزل والى أن يرث الله الأرض ومن عليها. د.محمد خرماش
الهوامش:
1- M.Riffaterre; Essais de stylistique structurale,Flammarion,
Paris 1971 P 264
الدكتور محمد خرماش- عدد المساهمات : 5
نقاط : 5009
تاريخ التسجيل : 18/03/2011
الموقع : www.manahijnaqdia.3oloum.org
رد: اللغة والإبداع
عجيب هو عالم اللغة ، والأعجب من ذلك صنيع المبدع بها..
موضوع مهم وموضوعي .. لا حرمنا الله من إطلالاتك..
تحياتي
رد: اللغة والإبداع
شكرا جزيلا أخي العزيز وان شاء الله نلتقي على خير وعلم
الدكتور محمد خرماش- عدد المساهمات : 5
نقاط : 5009
تاريخ التسجيل : 18/03/2011
الموقع : www.manahijnaqdia.3oloum.org
مواضيع مماثلة
» أثر اللغة العربية في اللغة الإسبانية
» المنهجية الصارمة والإبداع: خطان متعاكسان... متوازيان لا يلتقيان أبدا؟؟
» العين في اللغة والشعــــــــــــــــــر .
» اللواحق في اللغة العربية
» اللغة الفرنسية في إفريقيا
» المنهجية الصارمة والإبداع: خطان متعاكسان... متوازيان لا يلتقيان أبدا؟؟
» العين في اللغة والشعــــــــــــــــــر .
» اللواحق في اللغة العربية
» اللغة الفرنسية في إفريقيا
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأربعاء 20 ديسمبر 2023, 10:55 من طرف مدير المنتدى
» العدد الثالث من مجلة " آفاق علمية "
الأحد 01 أغسطس 2021, 10:21 من طرف Houcine22
» الشاعر منتميا وملتزما
الأحد 14 أكتوبر 2018, 20:12 من طرف مدير المنتدى
» العرب وكرة القدم
الإثنين 02 يوليو 2018, 20:10 من طرف مدير المنتدى
» الخامس من يوليو (جويلية) مجددا
الإثنين 02 يوليو 2018, 19:42 من طرف مدير المنتدى
» أهلا بشهر التوبة والغفران
الأربعاء 07 يونيو 2017, 11:21 من طرف أسير القافية
» لو عثرت بغلة في العراق ...
الجمعة 03 مارس 2017, 20:17 من طرف أسير القافية
» مسابقة الدخول إلى مدرسة الدكتوراه بتامنغست
الخميس 06 أكتوبر 2016, 16:21 من طرف أسير القافية
» وما بكم من نعمة فمن الله
الخميس 06 أكتوبر 2016, 15:58 من طرف أسير القافية