عيد الطالب.. عيد للجزائر

عيد الطالب.. عيد للجزائر
(كلمة بمناسبة الاحتفال بيوم الطالب)

" لن تصنع منا الشهادات أحسن الجثث.." عبارة رفعها طلبة الجزائر ذات ماي من عام 1956، معلنين بها تغييرا حاسما في مسار الوعي الجزائري بالقضية العادلة ..
لم يكن غريبا ولا مفاجئا ذلك القرار الذي اتخذته شريحة من المجتمع الجزائري، كانت خارج حسابات المستعمر الفرنسي، ولم يكن متوقعا منها أن تضحي بسنوات من الجهد والمثابرة في طلب العلم، لتقف في نصرة ثورتها التحريرية المجيدة.. فقد خرج الطلبة الجزائريون يوم 19 ماي 1956 عن صمتهم وأعلنوه إضرابا شاملا عن مقاعد الدراسة دعما لكفاح آبائهم وأمهاتهم وإخوانهم ضد أنواع من التنكيل لم يعرف التاريخ الحديث أمثلة لها، فضربوا بذلك مثلا للشباب الواعي بحجم المسئولية الملقاة على عاتق كل من يستطيع خدمة وطنه بصرف النظر عن حجمها أو نوعها.
وتجمع القراءات التاريخية لما حدث في هذا اليوم على أن التحاق الطلبة بقاطرة الثورة شكل منعطفا مهما في تحقيق الغاية التي قامت عليها، فقد أصبح الشعب الجزائري بكل فئاته متبنيا لهذه الثورة، محتضنا لفعالياتها، ومبرهنا على أن الثورة الناجحة هي تلك التي يلتف حولها أكبر عدد ممكن من شعبها، بحيث لا يعول المستعمر على أي عامل يضمن له هدوءا أو استقرارا في أرض ليست له، فأينما يمم يجد من يرفضه ويحاربه ويعمل على اقتلاع جذوره التي أطالتها السنون، حتى توهم أنه باق إلى الأبد.
إن التحاق الطلبة الجزائريين، الثانويين والجامعيين خاصة، بالثورة التحريرية المجيدة كان مؤشرا دالا على أن أطروحات المستعمر لم تقنع أحدا، تلك التي كانت تروج لادعاء فرنسا الاستعمارية نشر العلم ونقل الحضارة لأبناء الشعوب المستعمرة، في حين كانت تسعى فقط إلى استنزاف ثروات هذا البلد واستعباد أبنائه، وهكذا أدرك الطلبة الجزائريون أن الاستعمار أسوأ من الجهل الذي يحاربونه بالأقلام والدفاتر والكتب، لأن الاستعمار بكل بساطة حاضن الجهل ومشجع عليه بوصفه وسيلة للسيطرة والاستغلال.
والآن... وبعد مرور 56 عاما على هذا الحدث التاريخي المجيد، ما زال الطلبة الجزائريون أوفياء لأسلافهم الذين واجهوا الآلة الاستعمارية الفرنسية بشجاعة وهمة، وقدموا تضحيات غالية من أرواحهم ودمائهم.. كيف لا، وهم ينعمون بالحرية التي حازوها بفضلهم، وبمجانية التعليم التي كانت ثمرة من ثمار ثورتهم ونظالهم، وها هم يبرهنون كل سنة على أنهم الخلف الذي يضحي في سبيل البناء والتشييد بالعلم والعمل معا، ويقف في الوقت ذاته في وجه المخاطر التي تهدد استقرار البلاد وأمنها.
ولم تدخر الدولة جهدا في سبيل النهوض بالطالب، والاهتمام بقضاياه والتكفل بمشاغله ومشاكله، لعلمها أنه يمثل الشريحة التي تضمن للوطن نماءه وازدهاره، والفئة التي يعول عليها في رفع التحديات، في وطن يشكل الشباب نسبة كبيرة منه، في الوقت الذي شاخت فيه كثير من المجتمعات الأخرى، فأصبح فيها عنصر الشباب عملة نادرة.
فهنيئا للطلبة بعيدهم .. وهنيئا للجزائر بطلبتها وشبابها، وهنيئا للعالم العربي والإسلامي بوجود بلد المليون ونصف المليون شهيد.. والمجد والخلود لشهداء الجزائر الأبرار.

إلتفاتة جيدة سيدي...
ولكن... هل يعي طلبة اليوم هذه الذكرى بحقيقتها، وهل هم مدركون لحجم المسؤولية والأمانة التي هي على عاتقهم..؟ آمل ذلك..